Skip to main content
مركز التغطية الإعلامية مركز التغطية الإعلامية

مركز التغطية الإعلامية

صدور رواية «رؤى الناظرة من يرمق

تاريخ النشر : 25 - 07 - 2018

للبحريني وليد هاشم

تصغير الخط تكبير الخط

 

 

صدر عن مؤسسة الانتشار العربي الرواية الثالثة للروائي البحريني وليد هاشم «رؤى الناظرة من يرمق» من إصدارات النشر المشترك مع إدارة الثقافة والتراث في مملكة البحرين، لوحة الغلاف لوليد هاشم، تقع الرواية في 464 صفحة وتتناول الراوية محاورة العديد من الإشكاليات الفكرية والوجودية المعاصرة في حبكة حوارية وصراعية متعددة الرؤى، وليد عبدالله هاشم، مواليد العام 1982، بدأ كتابة الرواية في عمر مبكر لا يتجاوز الثالثة عشر من عمره وأصدر روايته الأولى «لم أكن هناك» العام 1996 وروايته الثانية: «مرورا بحياة أخرى» العام 2003، اكمل دراسته العليا في المملكة المتحدة ويحمل بكالوريوس في القانون من جامعة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، ويعمل حاليا كمحام ومستشار قانوني.

كتب وليد على غلاف الرواية:

عندما ترمق الشيء تستهين بكونه... عندما تنظرإليه تعترف بوجوده... لكنك عندما تراه ترى نفسك فيه، وبذلك تغدو الأشياء كلها مرايا للذات حال رؤيتها.

فصل من الرواية:

مرايا الجوزاء

ترعرع الأمير غالب الناظري في قصر الناظرية متمنيا طوال سنين طفولته المحدودة ترعرعه في قصر مرايا الجوزاء الذي بني خصيصا لأحدٍ سواه. علم أن لأبيه زوجتان، علم أن أباه رجل، علم أن والدته امرأة، ثم علم أن للرجل في ناظر حق الازدواج زواجا دون المرأة.

ترعرع الأمير غالب تحت سلطة حثٍ شديدٍ ومتواصلٍ صدر من والدته. حثته شارلوت الباصرية على تحقيق انتماء ذاته لمملكة أبصِر. حثته على أهمية استخدام هذه الذات بعد ذلك لتحقيق طموحات والده الرازي، وخلق سائر تصوراته. حثته على القوة والعلم والعنف والقراءة والدم واللغة والسلاح والكتابة والقيادة والموت والحياة وعلى حب كل ما سبق.

غدا غالب ثائرا جراء رفضه وصاية والدته الباصرية، والتي أكد له الجميع كونها أقل شأنا من والدة إخوته الجوزاء الناظرية. غدا غالب عنيفا جراء إحساسه بنقصٍ ما برىء ينهش أحشاءه وحيدا دون أحشاء إخوته مالك وجهور ويوسف أبناء الناظرية. لكن بفضل رفض الذات ونكران امتدادها، غدا غالب قويا أمام الضعف الشديد الذي شعر به، وحاد الوحشية أحيانا أمام اللطف الذي انتقصه في طفولته، والرأفة التي بخل الجميع عليه بها خلال سنيه الأولى.

لحظ الرازي الناظري مراحل تطور ابنه غالب - الابن الوحيد لتالية زوجته الأولى- من طفلٍ مرتعبٍ من شعره الأشقر إلى أقوى رجال ناظر قبضة على سيفه، وأكثرهم رغبة في أي صراع أو قتال مع أي كينونة عدا الذات. قرر الملك استثمار عُقَد ابنه النصف ناظري، وهشاشة نفسيته في جميع ساحات قتال ناظر، وسائر مداولاتها السياسية التي تقتصر على أوامر صارمة ناظرية دون سياسةٍ تذكر.

جاهد الأمير غالب أميرا وحيدا على ساحة كل حربٍ مثلتْ ناظر، مجازفا بحياة ذاتٍ رفضها مقابل أمجاد المملكة الأخيرة. وبعد انتصاراته الساحقة على مملكة حملق، واستطاعته دفعها مع سائر الممالك إلى أقدام السلطة الناظرية، سُمِحَ له بالعيش والتجوال الحر في قصر مرايا الجوزاء متى أراد، لكن دون أن يصطحب والدته.

حال دخولنا قصر مرايا الجوزاء اقتربنا أنا وجهاد وقالت لا شعوريا من بعضنا البعض احتماء بذواتٍ يرمقية من هول بذخٍ ناظريٍ تمكن من خَلْق أضعافنا... فحالما دخلنا تكررنا، وتزايدنا، وتضاعفنا كما تضاعف البهو من حولنا في تمويهٍ يَشْدهُ الذات مغتصبا بساطتها. أكد قصر مرايا الجوزاء حقيقة اسمه، وثبات صيته أمام ما استطعنا تقديمه له من رؤية.

كانت أرضية البهو الذي استقبلنا به القصر مغطاة بطبقةٍ من المرايا الناظرية الصغيرة التي تجمَّعت وتماسكت كقطع الطوب البنية في قصر يرمق الملكي. لم أستطع أن أرفع ناظري عن الأرض أو عن انعكاساتي التي غلفتها. حالما خفَّت سَكْرة الرؤية تخللني إحساسُ قدميَّ بالبرودة الممتزجة بالنعومة، بامتزاج الانفصال، بقسوةِ الزجاج تُعتَرض من قبل خطوط الفراء والسجاد.

كانت قطع المرايا المسطحة مؤطرة بالفراء والسجاد وأقمشةٍ أخرى سميكة لم أرها من قبل في يرمق. بحثتُ عن قطعةِ مرآةِ أرضيةٍ مهشمة، أو مكسرة، أو مشدوخة... لكن الشدخ لم يصدع سوى في أنفتي وكبريائي جراء انتمائي لقصرٍ أقل عظمة وشأن كوني مازلتُ أذكر - رغم صغر عمري - يوما كانت فيه المرايا الناظرية أكثر غلاء من الماس.

انتقلتُ بدهشتي إلى جهاد، ولم أُذْهل لرؤية نظرة امتزجت بين الغضب واليأس على وجهها، وصراعٍ داخلي محتدم يصرخ لها دون جدوى بعظمة اسمها ومنتماها. امتدت رؤية جهاد إلى الحيطان الخشبية التي أحاطت بنا، واستغربتْ دقة النقوش فيها. امتدت نقوش الورد والفاكهة الناظرية لتجتاح شامل المحيط الخشبي حولنا. تمكنتُ من رؤية ذاتي بوضوح المرايا الناظرية على الجدران كذلك، والتي حملتْ بدورها مرايا ضخمة معلقة بفعل قوى خفية.

طال صمتنا، وبدأت عظمة دهشتنا وحقيقة ذهولنا تتضح للأمير غالب الذي حمل ابتسامة ساخرة ماكرة على شفتيه لم أستطع احتمال رؤيتها، فانتقلت برؤياي إلى قالت التي كان سر انبهارها وفرة الطعام لمن لم يرده، أو لمن لا وجود له. كانت طاولات الخشب الأسود المرتكزة على الزجاج العاكس تحمل أطباقا ذهبية كثيرة وغير ممسوسة من الفاكهة الطازجة والحلويات المطهية التي لا تزال سخونتها ظاهرة متصاعدة... أم ربما كان ذهب الأطباق ما أدهشها؟ لحظتُ شيئا آخر قد يكون أبهر قالت، فكان خشب الطاولات مطرزا بخيوط فضية ومشكلا بكتابة ناظرية لا أفقهها.

رنّ خرير المياه من حولنا فجأة في أذني حالما استرجعت السمع، ودفع الرؤية للبحث عن مصدره، فاستقبله البصر أخيرا ليراه يمر من بين زجاج النوافذ خالقا تمويه المطر وعادما أية رؤية ممكنة إلى الخارج أو الداخل.

امتصتْ رؤيتي أخيرا وجود الأرائك الكثيرة من حولنا، والمتفاقمة بفعل المرايا. مددتُ يدي إلى أقرب أريكة، ولامستُ إحدى الوسائد الحريرية التي غطتها، وتأملتُ حسيا ملمس الحرير الناظري الأصيل بقمة جودته، وتمسكتُ بكبريائي وصلابتي كي لا أجلس عليها أو أرتمي نحوها. علمتُ بوعيٍ تام أخيرا سبب حجب الستائر المخملية المتعرجة والمياه المارة بين زجاج النوافذ لضوء الشمس بعيدا عن انعكاسات المرايا، وأن عدم إسدالها قد يخلق قوى ضوئية شائكة حارقة.

لكن مع أن الشمس لم تقدر اجتياح الغرفة، إلا أن ضوءا مسلطا ملأها. رفعت رأسي إلى وهج الضوء لأرى سقفا هائلا رُسِم بأكمله بأدق تفاصيل هندسة جمال يسحب الرؤية إلى وسط السقف، حيث الهوة المرسومة بحرفة سامية لتشكل السماء بزرقتها وبياض غيومها بواقعيةٍ دفعتني للشك بأن السقف فعلا مفتوح.

تأكدتُ أن شكي ليس في محله عندما لمحت مصدر الوهج والذي لم يكن هوة السقف المرسومة، بل سلسلة من شمعداناتٍ ذهبيةٍ مدلَّاةٍ من السقف، تدلَّت معها قطع كثيرة منثورة وعاكسة - أقلقني شكي بكونها من الماس - لتضخم ضوء الشعلات، وتزيد من نوره، وتنثره في أرجاء مرايا الغرفة حيث تقذف به مرايا الأرض إلى مرايا الجدران الضخمة التي تعكسه بدورها إلى المرايا الأربع المعلقة في السقف التي تعيده إلى المرايا التي تغلف الأرض، ومن ثم تواصل جميع المرايا الانعكاسات خالقة وهم التضخم والأبعاد اللاوجودية.

تكلم الأمير غالب موجها حديثه إلى جهاد. «أتمنى أن يكون البهو لائقا باستقبال سموك.»

لكن كبرياء جهاد كان له بالمرصاد. «لا بأس».

وقفتُ ملتصقة بجهاد أمام هول ما كنت أراه. لحظتها لم أملك شيئا سوى الرؤية وفقدت جميع الحواس الأخرى عداها. ارتعبتُ فجأة لحديث الأمير غالب بلغته الناظرية المعقدة، وأحسست برهبةٍ حديثة العهد تجاهه وتجاه قالت.

دار الحديث بيننا باليرمقية:

«آلهتي! لمَ كل هذه المرايا؟! ماهذا القصر؟ أصماءٌ تكون صاحبته؟»

«بإمكان الواحدة منا أن تتحدث بالرؤية بوجود كل هذه المرايا يا جهاد!»

«آلهتي... ألهذا سبب تملؤ المرايا القصر، وتخلو الأصوات منه؟ تضخيمٌ مسرفٌ للحاسة الأقوى لدى الملكة؟»

«غريبٌ المكان عليَّ يا جهاد، وجميلٌ في آن».

«دعكما من المرايا، ودعكما من الجوزاء، وفكرا معي في طريقةٍ أطلبُ بها غرفة للعبادة!»

«لكنك لا تتعبدين أبدا في يرمق يا سمو الأميرة».

«أتعبد أمامهم، وأريهم أني لن أتخلى عن آلهتي المتعددة!

أحدث الأخبار

معتكف طاقة الحب - بوكيت 2020

للمزيد
فندق لي مريديان بوكيت

مروراً بحياةٍ أخرى - فوزية السندي

للمزيد

علاج علم الطاقة - جريدة الوسط

للمزيد

رؤى وليد هاشم ورائية البصيرة - الناقد البحريني فهد حسين

للمزيد