Skip to main content
مركز التغطية الإعلامية مركز التغطية الإعلامية

مركز التغطية الإعلامية

رؤى وليد هاشم ورائية البصيرة - الناقد البحريني فهد حسين

تاريخ النشر : 25 - 07 - 2018

رؤى وليد هاشم ورائية البصيرة 

عن دار الانتشار ببيروت ومن خلال الإصدار المشترك الذي تقوم عليه وزارة الثقافة – إدارة الثقافة سابقًا - أصدر الروائي وليد هاشم روايته الثالثة (رؤى الناظرة من يرمق) عام 2009 في طبعتها الأولى وبعدد 462 صفحة، بعد صدور عملين روائيين، هما " لم أكن هناك في عام 1999، ومرورًا بحياة أخرى 2006".
وعلى الرغم من عدد صفحات الرواية فإنها لا ترضى أن تتركها البتة حتى تتم عملية نسج خيوط القراءة وتلقي النص لغة وفكرًا وبناء، ولن تستقيم العلاقة بين النص الروائي والمتلقي بقراءة النص فقط، بل لابد من التأمل والوقوف مليًا عند صوب الغلاف والعنوان واللوحة والإهداء، ومن ثم المتن الذي يأخذك إلى عوالم أحداث الناس ومشكلاتهم وتطلعاتهم، والأحداث التي تمر عليهم فتضعف بعضهم وتقوي البعض الآخر، أحداث تضعك أمام صراع الدول والأقوام والأعراق والطوائف والقبائل والعشائر والأسر، بين حرب ودفاع، بين موت وحياة، أحداث ذات علاقة بالشخصية الإنسانية وتطلعاتها في ظل منظومة من المعتقدات والأعراف والعبادة.
إنها رواية تتطلب منك عند قراءتها التأني في عملية التلقي، وفي بناء التواصل، وفي التحليق الفضائي لها، من أجل الوقوف على عدد شخصيات الرواية، وأدوارها، وتعدد الاتجاهات التي شكلت عقول وأفكار وتطلعات وأحلام وعواطف هذه الشخصيات، وأزمنتها وأماكنها، بالإضافة إلى النظر بشكل فني تجاه مكونات البناء الروائي من مكان وزمان، وبناء ملامح وصفات الشخصيات، وإلى تلك التقنيات السردية التي أوصلت العمل والكاتب معًا إلى مرحلة متقدمة في الكتابة الروائية المحلية، وبخاصة إلى نظرنا إلى من معه من كتاب جيله في السرد قصة أو رواية، تلك التقنيات التي لابد من توظيفها بشكل يتماشى مع العمل الفني التطوير للكتابة الروائية، من سرد وحوار ولغة ووصف، ومن جماليات فنية في بناء الأمكنة والأزمنة. 
وكذلك طرح العديد من القضايا ذات العلاقة بإنسان اليوم، رواية تهرب من تاريخ البشر المعتاد هجريًا كان أم ميلاديًا، إلى تاريخ تحاول أن تصطاده ضمن الزمن الفيزيائي للحياة الإنسانية التي نعيشها، وكأن النص الروائي يعلن أنه لا يعتمد التاريخ الميلادي المرتبط بميلاد السيد المسيح النبي عيسى بن مريم عليه وعليها السلام، ولا يعتمد التاريخ الهجري المرتبط بهجرة سيد البشرية النبي محمد بن عبدالله عليه السلام، فإن ممالك هذه الرواية قد اتخذت لها تاريخًا خاصًا بها، هو تاريخ الزواج، تاريخ حياتها ومسيرتها، ولكن أي زواج هذا الذي يعنيه النص الروائي أو الكاتب نفسه، لذا ترك لنا نحن القراء والمتلقين البحث عن دقائق تفاصيل هذه التواريخ إذا رأينا أنها ذات أهمية في معرفة فضاء النص وأحداثه.

العتبـــات 
عنونت الرواية بــ " رؤى الناظرة من يرمق "، فعلى الرغم من استغراب القارئ بادئ الأمر في طبيعة العنوان وتشكله اللغوي والفني والإيقاعي، فهو في حقيقة الأمر جاء كاشفًا ثلاث ممالك ذكرت في الرواية، وكان لها الأساس في نمو الأحداث وتطورها، وهي: مملكة أرى من الفعل رأى البصرية، وليست القلبية لما تشير في الوقت نفسه المفردات الأخرى، فالمملكة الثانية، هي: مملكة الناظرة،والثالثة مملكة يرمق. وهي مفردات تأخذ البعد البصري في معانيها المعجمية، ولكن كلما توغلت في قراءة النص تجد أن الدلالة المعجمية لهذا المفردات تتحول إلى دلالات ثقافية وحياتية وتكوينية في بناء المجتمعات.
وجاءت اللوحة من اختيار كاتب النص، لتكشف ما يرمي له في متن الرواية، فاللوحة هي خريطة لتلك الممالك التي أدت دورًا في أحداث الرواية، مع توضيح وهمي لتلك المساحات التي تمثل هذه المملكة أو تلك. (الحديث عن الفتاة)
أما الإهداء فكان للمرأة التي أدت دورًا بارزًا في أحداث الرواية، وتحديدًا رائية وجهاد، وليت التي كانت تسجل الأحداث وتروي، كما جعل الروائي الإهداء إلى من لهن مكانة ودور في حياته الاجتماعية والعلمية والتربوية والثقافي، إلى أمه الشاعرة فوزية السندي معترفًا بدورها وفضلها في تعبيد الطريق وفتح الآفاق المطرز بالحب والعطف والحنان، بالإضافة إلى خالتيه نوال وأنيسة. 
وجاءت فصول الرواية ليس في مفردة فصل أو رقم حسابي، وإنما في تسمية الفصول بالكتاب، أي الكتاب الأول- الكتاب الثاني – الكتاب الثالث – الكتاب الرابع، وأخيرًا الأواخر وهو الخاص بالمصادر والمراجع التي اعتمدها الروائي كما يدعي، تلك المراجع التي عنونت وبوبت ولكن فهي مراجع وهمية وليست حقيقية. وبين كل كتاب وآخر تبرز العناوين الفرعية التي تعالج جزءًا من أحداث الرواية، أما الممالك التي انتشرت على جغرافية النص الروائية ومساحته المكانية وفضائه الزماني، فهي: مملكة يرمق – مملكة ناظر – مملكة أرى – مملكة أبصر – مملكة حملق – مملكة لمح – مملكة حدقت، وهي الممالك التي تشير إلى الدلالة البصرية كما قلنا سابقًا، ومن خلال هذه رسم الروائي مجتمع الرواية ضمن الحالة الجيوسياسية، والجيوثقافية، والجيودينية.

أحداث الرواية
شكلت الأحداث في مجملها بل كلها ذلك الصراع القائم بين طرفي معادلة ليس هندسية أو حسابية، وإنما طرفي صراع أو تجاذب أو نفور أو مصالح أو تقارب أو غير ذلك على الشكل ذاته، كما ناقش النص الروائي مجموعة من الإشكاليات المتعلقة بالمجتمع سياسيًا وثقافيًا ودينيًا وتربويًا وعائليًا، كما أن المجتمع في الوقت الذي يسعى إلى تطور ذاته والتفنن في إيجاد التقنيات والتحديثات التي تؤسس له البناء القويم لايزال ينظر إلى عملية الإنجاب من منظار ضيق وسطحي، فالمجتمع والكثير من أفراده يرون في إنجاب الذكور زهوًا وعلو شأن ومكانة اجتماعية، وهذه المسألة طرحها القرآن الكريم وكيف تتغير ألوان وملامح الشخص في عصر ما قبل الإسلام حينما يبشر بإنجاب فتاة " الآية الكريمة " بل لايزال عند البعض عدم الرضا حين يكنى باسم البنت بعد إنجاب الذكور. وكأن هذا الإنجاب الذكوري يعني الاستمرارية والديمومة لهذه العائلة أو تلك العشيرة أو ذلك القوم، حيث تقول الأم لابنتها: " الأهم من إشباع رغباته الجنسية هو إشباع رغباته الحيوية الطبيعية بالإنجاب المتواصل – ص22 " ، و" الجمال المتألق والخصوبة المطلقة – ص23 ".
والرجل في الممالك يريد المرأة في صورة هو معدها ومشكلها ومحدد معالمها، بحيث يكون عالمها يحقق التنازل عن حقوقها ورغباتها وأحاسيسها ومشاعرها، وبهذا تكون محققة له الطموح الذي ينشده، وهو: إرضاؤه في الحياة العامة والخاصة، إرضاؤه وهي معه على سرير واحد، إرضاؤه حين يكون جسدها مطواعًا لشهواته ورغباته، وحين يقبل وحين يرحل، وألا تقوم بمضايقته بأي سبب حتى لو كان تافهًا، والرغبة الجموحة في إنجاب الذكور. 
وحاول كاتب النص أن يدخل في المقارنات والتقاطبات بين الممالك وأفرادها وتميزات هذا عن تلك في أمور حياتية وثقافية واجتماعية ودينية، مثل: الألقاب السياسية، والتشريعات الدينية والإيمان بالإله الواحد أو تعدد الإلهة، وكذلك في تعدد الزوجات وعدم التعدد، وأيضًا في البعد الصحي والنظافة والاستحمام إن كان أسبوعيًا أو يوميًا، وطبيعة الجمال عند نساء هذه المملكة أو تلك، فضلاً عن القناعة والإيمان بضرورة الاختلاط بين الجنسين أو عدمه.
وعبر عالم الرواية تتكشف لنا بعض الأسئلة، بحيث نرى الرغبة جانحة عند الرجال في إنجاب الذكور فإن الإناث كثر في الرواية ، فمملكة يرمق لديها من الإناث رائية وليت وجهاد ورامقة وفانية وأرلت، فهل وراء هذه الثنائية الضدية من مغزى غير الذي هو شائع في المجتمعات العربية؟ أم أن الأمر متعلق بما يقوم به كل من المرأة التي أكدت حضورها الفعلي في مملكة يرمق وحضور الذكور في مملكة الناظرة مؤكدًا أن الفتاة حين تعطى مسئوليات فإن إتقانها علامة بارزة في عملها. وهذا ما يجعلنا نطرح السؤال الآخر، وهو جعل ولي العهد في مملكة يرمق ضعيفًا ولا يملك القدرة على فعل أي شيء، بل كانت أخته رائية هي القادرة على فعل كل ما يتطلبه أمر يرمق وأبيها الذي اعتبرها سندَا له.
وما يلفت النظر فالنص ابتعد عن العمل الحسابي للتواريخ المتعارف عليها سواء الميلادية أو الهجرية، واكتفى بتاريخ أطلق عليه تاريخ الزواج، لكن النص اهتم ببعض الأرقام الحسابية، مثل: الرقم (6) الذي جاء في خضم أحداث ملكة يرمق، مثل: (ستة وعشرون يومًا – ستة وتسعون يومًا، وهي الرحلة من مملكة يرمق إلى مملكة الناظرة – ست سنوات، وهو مدة بناء القصر - اغتيال لافينيا زوج رامق بعد 60 يومًا من العزلة، و 6 أيام من الزواج – ولادة جهاد في عام 1016 للزواج – ولادة قالت مربية رائية اليرمقية عام 966 للزواج، وموتها في عام 1065 للزواجن وغيرها، وكذلك الرقم (7) في مملكة الناظرة، ففيها بنيت سبعة أبراج في قصر الناظرة - ولدت عائشة ابنة الهادي بن مهاد عام 1017 - اغتيال الرازي عام 1037 - جهاد رفضت مقابلة شارلوت التي كانت تكرر طلب اللقاء 47 مرة - عام 1037 للزواج تم عقد وثيقة الزواج – زواج ملك الناظري من جهاد اليرمقية - مدة الحمل عند جهاد يقارب 7 أشهر من يناير حتى يوليو، وهذا يعني أن النص لم يكتب أو يبنى إلا ضمن هندسة معمارية في متخيل الكاتب وفي عالم التأمل الذهني تجاه العمل الفني مما يتطلب من القارئ شحذ الفكر وتمحيص العبارة السردية من أجل الوقوف على دلالة ما قد تتفق وتلك الدلالة التي يرمي لها النص وقد تختلف جلة وتفصيلاً.

أحدث الأخبار

معتكف طاقة الحب - بوكيت 2020

للمزيد
فندق لي مريديان بوكيت

صدور رواية «رؤى الناظرة من يرمق

للمزيد

مروراً بحياةٍ أخرى - فوزية السندي

للمزيد

علاج علم الطاقة - جريدة الوسط

للمزيد